الموقف الرسمي
نوفمبر 17, 2018

 هذه ذكرى ميلادِ الحبيبِ  تُظِلُّنا وقد اشتدت بالأمــةِ آلامٌ وعَذَاباتٌ تنفطرُ لها القلوبُ وتذهلُ لِهَولِهَا العقولُ، ولا يُهَوِّنُ على الأرواحِ جراحَها، ولا على الأفئدة معاناتِها إلا يقينُها بأن تلك الآلامَ إِنَّما هى آلامُ المَخاضِ لميلادٍ جديدٍ لأمته  وفجرٍ آتٍ بعد ليــلٍ طويــــل..

 ومع تَنَسُّمِنَا عبيرَ ذكرى (مولد النور) وفى تلك اللحظاتِ الفارقةِ من تاريخ أمتنا، تطيبُ لنا لمحاتٌ ووقفاتٌ مع ذكرى ميلاد نبينـــا:

  • وقفةٌ مع سيرته :

نَستلهمُ أَحداثها  ونستضىءُ بسِرَاجِها مرشدَ حقٍ وقائدَ صدقٍ في رحلةِ الخروجِ من التيهِ نحو الميلادِ الجديدِ للأمة، سيرته التي بدأت بـبشارات مقدمه، وميلاده الذى سيغير مجرى التاريخ، وانتهت بإجابة عائشة  رضى الله عنها حين سُئلت: هل كان رسول الله يصلي قاعداً؟ فأجابتهم بـ (نعم؛ بعد ما حطمه الناس)، ثم (لا كرب على أبيكِ بعد اليوم) وبينهما تعبد وتبتل، وجهاد واجتهاد،  وصبر وثبات ..

حياته التي وصفها ربنا بقوله : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر”

  • وقفة مع سنته:

نراجع حالنا عليها، ونقيس أمرنا إليها , وأين نحن من سنته  في حياتنا ومعاملاتنا.. في دعوتنا وجهادنا ..؟  سنته التي أوصانا بها قائلاً: (تركتُ فيكم أمرينِ؛ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما: كتــاب اللَّهِ وسُنَّتي)  فوجب العض عليها بالنواجذ كي لا يأتى ذاك الميلاد الجديد مشوهاً ..!

  • وقفة مع يقينه:

يهتف بزيدٍ يوم الطائف: (يا زيد؛ إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً) .. ويكبر يوم الأحزاب ويبشر بمفاتيح فارس والشام واليمن، ويقسم لخبيب بعد أن ذاب لحمه من التعذيب: (والله ليتمن الله هذا الأمر)، ويعد سراقة في رحلته للهجرة: (ارجع ولك سواري كسرى)، ويطمئن الصديق في الغار بـ (لا تحزن إن الله معنـا)

أي يقينٍ ذاك الذي كان يحمله قلبه  في وعد الله له؟؟!!

وما أشد احتياجنا إلى ذلك اليقين الثابت في لحظات المخاض تلك التي نمر بها حيث يخيم الإحباط والاستيئاس على النفوس.

نحتاج ليقين بوعد الله؛ “ولينصرن الله من ينصره”، “وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم”.

نحتاج ليقينٍ لا يتزعزع بوعد رسول الله  لنا بفتح رومية والنصر على بني يهود بعد أن عاثوا في الأرض فســـاداً ..

  • وقفة مع إصـــراره:

يعود  لمكة في جوار أحد المشركين بعدما لقي من أهل الطائف ما لقي ليحاول مرةً أخرى، يتحمل مسئولية البلاغ عن رب العباد لآخر لحظة دون يأس ولا كلل أو ملل، يعرض نفسه على القبائل عشرات المرات فيرفضونه ويهزأون بدعوته لكنه يستمر حتى يلقى شباب الأنصار فيهاجر إليهم وعمره 53 سنة ليبني (دولةً تحمي الدعوة)، يسير ثلثي الطريق على قدميه يوم بدر ويقول لصاحبيه: (ما أنتما بأقوى مني وما أنا بأغنى عن الأجر منكما)، يخرج صبيحة أحد ليلقى المشركين مرةً اخرى وقد كُسرت رباعيته وشج رأسه وقتل عمه مع سبعين من أصحابه !! ويخرج لتبوك وعمره قد تعدى الستين.

فمــــاذا عنك أنت؟؟

  • وقفة مع ذاك الكتاب الذي جاء به:

رسالة الله إلى جميع خلقه، وإليك أنت؛ القـــرآن العظيم

رسول الله  بلغ الرسالة وأدى الأمانة؛ فهل أخذناها بحقهـــا؟ هل حقاً قرأنا القرآن كما ينبغي لعبدٍ أن يتلقى رسالة سيده؟

  • وقفة مع أخلاقه:

في بيته مع أهله، وفي مسجده مع أصحابه، وفي جهاده مع عدوه، كان نبينا  قرآنا يمشي بين الناس حتى أن أمنا عائشة لم تجد وصفا لأخلاقه سوى أنه (كان خلقه القرآن)، وهو  الذي عرف نفسه بـ (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ومدحه ربه بأنه “لعلى خلقٍ عظيم”.

فأين نحن ـ اليوم ـ من أخلاقه؟

  • وقفة مع فهمه:

يفهم  عن الله -سبحانه وتعالى- سننه في خلقه، فلا يُخالف السنن ولا يتواكل على أنه نبي وأنه مؤيدٌ من السماء، بل يأخذ بالأسباب تعبداً لا تعلقاً؛ يأخذ بها وكأنها كل شئ ويتوكل على ربه وكأنه لم يفعل أي شىء، ليلة الهجرة ويوم بدر، وفي أحد ويوم الأحزاب، وفى كل أعماله، رسالة تتكرر منه معلماً إيانا أن الله تعبدنا باستيفاء الأسباب، كما تعبدنا بالتوكل عليه سواءاً بسواء

  • وقفة مع منهجه في التغيير:

فقد كان  يُقدم دون اندفاع وقد يُهادن دون أن يساوم على الحق الذي يحمله، يصنع الرجــال الذين هم أساس أى تغيير، يفتش عن أولئك الذين يصلحون لحمل تلك الرسالة إلى العالمين، ويصنع منهم أبطالاً ويبني جيلاً لم تشهد الأرض مثله.

  • وقفة مع عبادته وتبتله:

فلم يكن سعيه في تبليغ رسالة ربه شاغلاً له عن القيام بين يديه ربه بالليل متعبداً فيقوم حتى تتفطر قدماه، وينادي أن (أرحنا بها يا بلال) ويسجد السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، يسمع عجوزاً تقرأ “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ” وتبكي وتكررها فيبكي  مردداً: (نعم أتاني، نعم أتاني)، يمر اليوم الصائف به وبأصحابه في السفر فلا يوجد بينهم صائم إلا هــو  وعبد الله بن رواحة.

  • ثم وقفة لنا مع أنفسنا:

نفتش فيها عن حبنا له، هل أحببناه حقاً كما ينبغي؟ كم مرةً تُصلي عليه في يومك؟ وكم مرة ختمت سيرته؟ وكم مرةً دعوت ربك لترافقه في الجنة؟ وكم مرةً ذرفت عيناك بالدموع شوقاً إليه؟ فــ (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين) و(المرءُ معَ من أحبَّ وأنتَ معَ مَن أحببتَ)

 

تلك عشرة كاملة.. عشر وقفاتٍ مع حبيبنـــا  لتصحيح المسار وضبط البوصلة، لاستنفار الطاقة وشحذ الهمة.

كي يمر ذاك المخاض بسلام ويولد فجرٌ جديدٌ يحمل للإنسانية رسالة الإسلام؛ رسالة حبٍ وعدلٍ وحريةٍ وسلام.

ويقولون: متى هــو؟    قــل: عسى أن يكون قريباً

 

المُؤَسَّسَّةُ التَرْبَوِيَّةُ

المكتب العام – الإخوان المسلمون

القاهرة – السبت 9 ربيع الأوّل 1440 هـ – 17 نوفمير 2018م